فصل: بصيرة في وصف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

والجمهور على {خَالِصَة} بالتَّأنيث مَرْفُوعًا على أنه خَبَرَ مَا الموصُولة، والتَّأنيث: إمَّا حَمْلًا على المَعْنَى؛ لأن الذي في بُطُونِ الأنْعَام أنْعَامٌ، ثم حمل على لَفْظِها في قوله: {ومُحَرَّمٌ} وإمَّا لأنَّ التَّأنِيث للمُبالغة كهو في عَلاَّمَة ونسَّابَة ورَاوِيَة والخاصَّة والعامَّة وإما لأنَّ خَالِصَة مصْدَر على وَزْنَ فَاعِلة كالعَاقِبة والعَافِية؛ وقال- تبارك وتعالى: {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} [ص: 46] وهذا القَوْل قول الفرَّاء والأوَّل لَهً ولأبِي إسْحاق الزَّجَّاج، والثاني للكسَائِي، وإذا قيل: إنها مَصْدرٌ كان ذلِك على حّذْف مُضَافِ، أي: ذُو خُلُوصٍ، أو على المُبَالَغَة، أو على وقُوعِ المصدر مَوْقِع اسْمِ الفاعلِ؛ كَنَظَائِره كقول الشاعر:
وَكُنْتِ أمنِيَّتِي وَكُنْتِ خَالِصَتِي ** وَلَيْس كلُّ امرئ بِمُؤتَمَنِ

قال الكسائي: خَالِص وخَالِصَة واحد، مثل وَعْظ ومَوْعِظَة.
وهو مستفيض في لسانهم: فلان خَالِصَتي، أي: ذُوخُلُوصي.
و{لِذُكرونا} مُتعلِّق به، ويجوز أن يتعلَّق بممحذُوف على أنَّه وَصْف لـ {خَالِصَة}، وليس بالقَوِيّ.
وقرأ عبد الله وابن جُبَيْر، وأبُو العالية والضَّحَّاك، وابن أبي عَبْلَة: {خَالِصٌ} مَرْفُوعًا على ما تقدَّم من غير هَاءِ، و{لِذُكُورِنَا} متعلِّق به، أو بمَحْذُوف كما تقدَّم، وقرأ ابن جُبَيْر، نقله عنه ابن جنِّي: {خَالِصًا} نصبًا من غير تَاءِ، ونصبه على الحَالِ وفي صاحبه وجهان:
أظهرهما: أنه الضَّمَير المستتر في الصِّلة.
الثاني: أنه الضَّمِير المسْتَتِر في {لِذُكُورِنَا} فإن {لِذُكُورنَا} على هذه القراءة خَبَر المُبْتَدأ، وهذا إنَّما يَجُوز على مَذْهَب أبِي الحَسَن؛ لأنه يُجِيزُ تَقْدِيم الحال على عَامِلهِا المَعْنَوِيّ، نحو: زيْدٌ مستَقِرٌّ في الدَّارِ والجمهور يَمْنَعُونَه، وقد تقدَّم تحقيقُهُ.
وقرأ ابن عباس أيْضَا والأعرج، وقتادة: {خَالِصَةً} نصابً بالتَّأنيث، والكلام في نصْبِه وتأنِيثِه كما تقدَّم في نَظِيره، وخرَّجه الزمخشري على أنه مَصْدَر مُؤكِّد كالعَاقِبَة.
وقرأ ابن عبَّاس أيضًا، وأبُو رَزِين، وعِكْرمة، وأبو حَيْوة: {خَالِصة} برَفْع خالص مُضَافَا إلى ضَمِير مَاَ ورفعُه على أحد وجهين:
إما على البدل من الموصُول، بلد بَعْضَ من كُلِّ، وم {لِذُكُورِنَا} خبر المَوْصُول.
وإما على أنَّه مُبْتَدأ، و{لِذكُورنَا} خبره، والجُمْلة خبر الموصُول، وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّم أنه حَيْثَ قُلْنَا: إن {خَالِصة} مصدر أو هي للمُبَالغَة، فليس في الكلام حَمْل على مَعْنَى ثم على لَفْظ، وإن قلنا: إن التَّأنثِ ما فِي البُطُونِ، كان في الكلام الحَمْلُ على المَعْنَى أوَّلًا ثم على اللَّفْظ في قوله: {مُحَرَّمٌ} ثانيًا، وليس لِذَلك في القُرْآن نَظِير، أعني: الحَمْل على المَعْنَى أوّلًا ثم على اللَّفْظِ ثانيًا، إلاَّ أن مَكِّيًا زعم فير غَيْر إعْراب القُرْآن الكَريم، له: أنَّ لِهَذِه الآيَةِ نظائِر فذكرها وأما في إعرابه: فلم يَذْكُر أنَّ غيرها في القُرْآن شَارَكها في ذلك؛ فقال في إعرابه: وإنَّما أنَّثَ الخَبَر؛ لأن مَا فِي بُطُون الأنْعَام أنْعَام؛ فحلم التأنيث على المَعْنَى، ثم قال: {ومُحَرَّم} فذكَّر حَمْلًا على لَفْظِ مَا وهذا نَادِر لا نَظِير له، وإنَّما يَأتِي في مَنْ حَمْل الكلام أوَّلًا على اللَّفْظِ ثم على المَعْنَى بعد ذلك، فاعرفه فإنه قَلِيلٌ.
وقال في غير الإعْرَاب: هذه الآيةُ في قراءة الجماعة أتَتْ على خلاف نظائِرِهَا في القُرْآن؛ أن كلما يُحْمل على اللفظِ مرة وعلى المَعْنَى مرَّة، إنما يبتَدِئ أولًا بالحَمْل على اللَّفْظِ ثم يليه الحَمْل على المَعْنِى، نحو: {مَنْ آمَنَ بالله} [البقرة: 62] ثم قال: {فَلَهُم أجرُهم} هكذا يأيت في القُرْآن وكلام العرب، وهذه الآيةُ تقدَّم فيها الحملُ على المَعْنِى، فقال: {خَالِصَة} ثم حَمَل على اللَّفظِ، فقال: {وحُرِّمَ} ومثله {كُلُّ ذلك كَانَ سَيِّئُهُ} [الإسراء: 38] في قراءة نافع ومن تابعه، فأنَّث على معنى {كُلَ} لأنها اسْم لجَمِيع ما تقدَّم ممَّا نهى عنه من الخَطَايَا، ثم قال: {عند ربِّك مَكْرُوهًا} فذكر على لَفْظِ {كُلّ} وكذلك {مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} [الرخرف: 12، 13] جَمَعَ الظُّهُور حملًا على مَعْنَى ما ووحَّد الهاء حَمْلًا على لَفْظ مَا، وحُكي عن العرب: هذا الجَرَادُ قد ذَهَب فأراحَنَا مِنْ أنْفُسِهِ جمع الأنْفُس ووحد الهَاء وذكَّرها.
قال شهاب الدين: أما قوله: هكذا أتى في القُرْآنِ فصحيح، وأمَّا قوله: وكلام العرب فليس ذلك بِمُسَلَّم؛ إذ في كلام العرب البداية بالحَمْل على المَعْنَى ثم على اللَّفْظِ، وإن كان عَكْسُه هوالكَثِير، وأمَّا ما جعله نَظِير هذه الآية في الحَمْل على المَعْنَى أوَّلاَ ثم على اللَّفْظ ثانيًا، فلي بمُسَلَّم أيضًا، وكذلك لا نُسَلِّم أن هذه الآية مما حُمِل فيها على المَعْنَى أولًا ثم على اللفظِ ثانيًا.
وبيان ذلك: أن لقَائِل أن يَقُول: صِلَة مَا جارّ ومجرور وهُو مُتعلِّق بمحْذُوف، فتقدريه مُسْنَدًا لضمير مذكر، أي: ما ستقرَّ في بُطُون هذه الأنْعَام، ويبعد تَقْديرهُ باسْتَقَرَّت، إذا عرف هذا، فيكُون قد حُمَل أوَّلًا على اللَّفْظ في الصِّلة المقدَّرة ثم على المَعْنَى ثانيًا، وأما {كُلُّ ذَلِك كان شَيِّئةُ} فَبَدأ فيه أيضًا بالحَمْل على اللَّفْظِ في قوله: {كَانَ} فإنه ذكر ضَميرَهُ المسْتَتِر في {كَانَ}، ثم حمل على المعنى في قوله: {سَيِّئهُ} فأنَّث، وكذلك {لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] فإن قبله {مَا تَرْكَبُون} والتقدير: ما تركَبُونه، فحلم العِائِد المحذُوف على اللَّفْظ أوَّلًا ثم حُمِل على المَعْنَى ثانيًا، وكذلك في قولهم: هذا الجَرادُ قَدْ ذَهَب حَمَل على اللَّفْظ فأفْرَد الضمير في ذَهَبَ ثم حمل على المعْنَى ثَانِيًا، فجمع في قوله: انْفُسِهِ وفي هذه المواضع يكون قد حَمَل فيها أوَّلًا على اللَّفْظ، ثم على المَعْنَى ثم على اللَّفْظ، وكُنْتُ قد قدَّمْتُ أن في القُرْآن من ذلك أيْضًا ثلاثة مواضع: آية المَائِدة: {وَعَبَدَ الطاغوت} [المائدة: 60]، ولقمان: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} [لقمان: 6]، والطلاق: {مَن يُؤْمِن بالله} [الطلاق: 11].
قوله: {وإن يكن مَيْتَةً} قرأ ابن كَثِير: {يَكُنْ} بياء الغَيبة {مَيْتَةٌ} رفعًا، وابن عامر: {تكُنْ} بتاء التَّأنيث، {مَيْتَةٌ} رفعًا، وعاصم في رواية أبي بكر {تَكُنْ} بتاء التَّأنيث، {مَيْتَةً} نصبًا، والباقون {تكن} كابن كَثِير {مَيْتَةً} كأبي بكر والتَّذكير والتَّأنيث واضحان؛ لأن المَيْتَة تأنيث مَجَازِيّ؛ أنها تقع على الذَّكَر والأنثى من الحيوان فَمَنْ انَّث فبِاغْتِبَار اللَّفْظِ، ومن ذَكَّر فباعْتِبار المَعْنَى، ها عند من يرفع {مَيْتَةٌ} بـ {تَكُنْ} أمَّا من يَنْصِبُها، فإنه يسند الفِعْل حينئذٍ إلى ضَمير فيذكر باعْتِبار لَفْظ مَا في قوله: {مَا فِي بُطون} ويؤنِّث باعتِبَار مَعْنَاها، ومن نصب {مَيْتَةً} فعلى خبر كان النَّاقِصة، ومن رفع فَيْحْتَمل وجهين:
أحدهما: أن تكون التَّامَّة، وهذا هو الظَّاهر، أي: وإن وُجِدَ مَيْتَةٌ أو حَدَثَتْ، وأن تكون الناقصة وحنيئذٍ يكون خَبَرُوها مَحْذُوفًا، أي: وإن تكُون هُناكَ أو فِي البُطُون مَيْتَة وهذا رأي الأخْفَش، فيكون تَقْدير قراءة ابن كَثِير: وإن يَحْدُثْ حيوانٌ مَيْتَةٌ، أو وإن يَكُن في البُطُون مَيْتَةٌ على حَسَب التقديرين تمامًا ونقصانًا، وتقدير قراءة ابن عَامِر كتقدير قراءته، إلا أنه أنَّث الفِعْل باعْتِبَار لفظ مَرْفُوعه، وتقدير قِراءة أبِي بكر: وإن تكُون الأنْعَام أو الأجنَّة مَيْتَة، فأنَّث حَمْلًا على المَعْنَى، وقراءة البَاقِين كتقدير قراءته، إلا أنَّهُم ذكروا باعتبار اللَّفْظِ.
قال أبو عمرو بن العلاء: ويُقَوِّي هذه القراءة- يعني قراءة التَّذْكِير والنَّصْب- قوله: {فَهْمْ فِيهِ} ولم يَقُل: فِيها ورُدَّ على أبي عَمْرو: بأن المَيْتَة لكل مَيِّتٍ ذكرًا كان أو أنْثَى، فكأنه قيل: وإن يَكُون مَيِّتًا فهم فيه، يعني: فَلَمْ يَصِر له في تَذْكِير الضَّمير في فِيهِ حُجَّةٌ.
ونقل الزَّمَخْشَرِي قراءة ابن عَامِرِ عن أهْل مكَّة، فقال: قرأ أهْل مكَّة وإن تكنْ مَيْتَةٌ بالتأنيث والرَّفْع فإن عنى بأهل مَكَّة ابن كَثير ولا أظنه عَنَاهُ- فليس كذلِك، وإن عنى غيره، فَيَجُوز على أنه يُجَوِزُ أن يكُون ابن كَثِير قرأ بالتَّأنيث أيضًا لكن لم يَشْتَهِر عنه اشْتِهَار التَّذْكِير.
وقرأ يزيد {مَيِّتَة} بالتَّشْدِيد؛ وقرأ عبد الله: {فَهُمْ فيه سَوَاء} قال شهاب الدِّين: وأظنُّها تفسير لا قراءة، لمخالفتها السَّواد، وقوله: {وهُمْ فِيهِ} أي: أن الرِّجَال والنساء فيه شُرَكَاء. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في وصف:

وَصَفْتُ الشيء وَصْفًا وصِفَةً، والهاء عِوَض عن الواوِ.
وقوله تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أي جَزاءَ وَصْفِهم الذي هو كَذِبٌ.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، أي تَكْذِبُون.
وفى حديث عُمَرَ: «لا تُلْبسوا نِساءَكمُ الكتَّانَ أَو القَباطِىّ، إِلاَّ يَشِفَّ فإِنَّه يَصِفُ» أي يَصِفُها الثوبُ الرّقيق كما يَصِفُ الرّجلُ سِلْعَته.
والصّفة كالعِلْم والجَهْل والسَّواد والبَياض.
وقيل: الصّفة الحالةُ التي عليها الشيء من حِلْيَتِه ونَعْتِه.
والْوَصفُ قد يكون حَقًّا وباطلًا، قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} تنبيهًا على كون ما يذكرونَه كَذِبًا.
وقول الشمّاخ يصف ناقته:
إِذا ما أَدْلَجَت وَصَفَت يَداها ** لها الإِدلاجَ لَيْلَةَ لا هُجُوعُ

يريد أَجادت السَّيْر.
وقيل: معناه: إِذا أَدْلَجَت سارت اللَّيلَ كلَّه، فذلك وَصْفُها يديها.
والوَصِيفُ: الخادِمُ غلامًا كان أَو جارِية، وربّما قالوا للجارِية وَصِيفَةٌ، والجمع الوَصائِف.
والإِيصافُ: الوصافة، يقال: جارية بيّنة الوصافة والإِيصاف.
وتَواصَفُوا الشيء من الوصف.
واتَّصَفَ الشيء: صار موصوفًا بالحُسْن قال طَرَفَة بنُ العَبْد:
إِنَّى كَفانِىَ من أَمْر هَمَمْتُ بهِ ** جارٌ كجار الحُذاقىّ الذي اتَّصَفا

ونُهِىَ عن بيع المُواصَفَة، وهو أَن يبيع ما ليس عندَه، ثم يَبْتَاعَهُ فيَدْفَعَه إِلى المشترى، قيل له ذلك لأَنَّه باعَه الصّفَةِ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (140):

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر تعالى تفاصيل سفههم، وأشار إلى معانيها، جمعها- وصرح بما أثمرته من الخيبة- في سبع خلال كل واحدة منها سبب تام في حصول الندم فقال: {قد خسر} وأظهر في موضع الإضمار تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف فقال: {الذين قتلوا} قرأها ابن عامر وابن كثير بالتشديد لإرادة التكثير والباقون بالتخفيف {أولادهم سفهًا} أي خفة إلى الفعل المذموم وطيشًا، تؤزهم الشياطين الذين يتكلمون على ألسنة الأصنام أو سدنتها إلى ذلك أزًا.
ولما كان السفه منافيًا لرزانة العلم الذي لا يكون الفعل الناشئ عنه إلا عن تأن وتدبر وتفكر وتبصر، قال مصرحًا بما أفهمه: {بغير علم} أي وأما من قتل ولده بعلم- كما إذا كان كافرًا أو قاتلًا أو محصنًا زانيًا- فليس حكمه كذلك؛ ولما ذكر عظيم ما أقدموا عليه، ذكر جليل ما أحجموا عنه فقال: {وحرموا ما رزقهم الله} أي الذي لا ملك سواه رحمة لهم، من تلك الأنعام والغلات، بغير شرع ولا نفع بوجه {افتراء} أي تعمدًا للكذب {على الله} أي الذي له جميع العظمة.
ولما كانوا قد خسروا ثلاث خسرات مع ادعائهم غاية البصر بالتجارات: النفس بقتل الأولاد، والمال بتحريم ما رزقهم الله، فأفادهم ذلك خسارة الدين، كانت نتيجته قوله: {قد ضلوا} أي جاوزوا وحادوا عن الحق وجاروا؛ ولما كان الضال قد تكون ضلالته فلتة عارضة له، وتكون الهداية وصفًا أصيلًا فيه، نبه على أن الضلال وصفهم الثابت بقوله: {وما كانوا} أي في شيء من هذا من خلق من الأخلاق {مهتدين} أي لم يكن في كونهم وصف الهداية، بل زادوا بذلك ضلالًا؛ قال البخاري في المناقب من صحيحه: حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا}- إلى قوله: {وما كانوا مهتدين}.
وله في وفد بني حنيفة من المغازي عن مهدي بن ميمون قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرًا أحسن منه ألقيناه فأخذنا الآخر، وإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصل الأسنة، فلا ندع رمحًا فيه حديدة ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه شهر رجب. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر فيما تقدم قتلهم أولادهم وتحريمهم ما رزقهم الله.
ثم إنه تعالى جمع هذين الأمرين في هذه الآية وبين ما لزمهم على هذا الحكم، وهو الخسران والسفاهة، وعدم العلم، وتحريم ما رزقهم الله، والافتراء على الله، والضلال وعدم الاهتداء، فهذه أمور سبعة وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم.
أما الأول: وهو الخسران، وذلك لأن الولد نعمة عظيمة من الله على العبد، فإذا سعى في إبطاله، فقد خسر خسرانًا عظيمًا لاسيما ويستحق على ذلك الإبطال الذم العظيم في الدنيا، والعقاب العظيم في الآخرة.
أما الذم في الدنيا فلأن الناس يقولون قتل ولده خوفًا من أن يأكل طعامه وليس في الدنيا ذم أشد منه.
وأما العقاب في الآخرة، فلأن قرابة الولادة أعظم موجبات المحبة فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضار به كان ذلك أعظم أنواع الذنوب، فكان موجبًا لأعظم أنواع العقاب.
والنوع الثاني: السفاهة وهي عبارة عن الخفة المذمومة، وذلك لأن قتل الولد إنما يكون للخوف من الفقر، والفقر وإن كان ضررًا إلا أن القتل أعظم منه ضررًا، وأيضًا فهذا القتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذرًا من ضرر قليل موهوم، لا شك أنه سفاهة.
والنوع الثالث: قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} فالمقصود أن هذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح.
والنوع الرابع: تحريم ما أحل الله لهم، وهو أيضًا من أعظم أنواع الحماقة، لأنه يمنع نفسه تلك المنافع والطيبات، ويستوجب بسبب ذلك المنع أعظم أنواع العذاب والعقاب.
والنوع الخامس: الافتراء على الله، ومعلوم أن الجراءة على الله، والافتراء عليه أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
والنوع السادس: الضلال عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا.
والنوع السابع: أنهم ما كانوا مهتدين، والفائدة فيه أنه قد يضل الإنسان عن الحق إلا أن يعود إلى الاهتداء، فبين تعالى أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط فثبت أنه تعالى ذم الموصوفين بقتل الأولاد وتحريم ما أحله الله تعالى لهم بهذه الصفات السبعة الموجبة لأعظم أنواع الذم، وذلك نهاية المبالغة. اهـ.